محلة السراي في القمر وأسوار المدينة

تعتبر محلة السراي من أقدم المناطق السكنية في مدينة الناصرية مع محلة السيف، وقد سميت بهذا الاسم لتجارها بالقرب من (مركز السراي) وهي الحكومة المركزية في ذلك الوقت، وكذلك قسم منها خلف مستشفى الجمهوري ، وكان بدأ تكوينها بعض الصرائف التي أنشأت في أول الأمر ثم بدأت تتزايد يوم بعد يوم حتى تراصفت مع بعضها وازدحم المكان بها وخاصة بعدما ضربت المجاعة والتي سميت في وقتها (سنة لوعة 1921) حيث الجوع والقحط والجفاف الذي اصيبت به معظم اقضية ونواحي المدينة وخاصة من جهة الشطرة وهجر معظم فلاحي (قرب ابو هارون) بين الشطرة والناصرية، وتم الاستقرار في هذه المنطقة ،حيث (الفلاح حميد) من هذه القرية ومعه زوجته (حميدة) وهي في فترة شبابها الأول ناعمة ريانة الوجه لينتقل بين المهن والأعمال الصغيرة المختلفة حتى انتهي به المطاف حارسا ليليا يجوب ازقة المدينة وشوارعها المظلمة محطم الصمت بصوت صفارته الفضة وصوته الخشن (منو هناك –هيه) ليطرد اللصوص الزاحفين الى المدينة تحت جناح الظلام، حيث كانت الناصرية في اول انشائها لم تكن سوى ثكنة عسكرية كبيرة ومسجدا ودار متصرفية بناها ناصر الأشقر لجنوده وتباعه لصد غزوات العشائر المنددة له ، وكذلك لصد هجمات الوهابيين ، ولهذا أحاطها بالأسوار وعمل لها ثلاثة أبواب لأغير تفتح نهارا وتغلق ليلا.

أم هاتف:                                                                                                                          

أما (أم هاتف) فهي أصبحت طبيبة المنطقة هذه، فهي تعالج الأطفال أذا أصيبوا بالتهاب اللوزتين ،وكانت تعالجهم بكل ود ومحبة وحنان ، حيث تعفر سبابتها المبللة بالزيت بواسطة الرماد ومن ثم تفتح فم الطفل وتدسها فيه حتى تصل الى اللوزتين المتورمتين وتبدأ بضغطهما لكل الجانبين وتكرر هذه العملية كل صباح لثلاثة ايام متتالية حيث يشفى الطفل المريض بعدها حتما، وكذلك تقوم بعمل الحجامة بواسطة قدح زجاجي او فخاري ، حيث تقوم باشعال فتيلة فيه من القماش او القطن او الورق وحال اطفاءه تقوم بالصاقه على جسم المريض وفي المكان التي هي تحدده ، وبعد ازلته بعد فترة تقوم بتشريح المكان (المحصور المزرق نتيجة انحسار الدم) بواسطه مويس حتى خروج الدم الفاسد منه ثم تقوم بتنظيف المكان وهي تردد(هذا ما يقوم به النبي (ص) ، وكذلك انها تجيد الوخز بالابر حيث تقوم الجسم المتشنج وخزات متتالية وسريعة بابرة الخياطة وعلى المتشنجة يتفق الدم الفاسد وينزاح التشنج ، او اخلراج (الجشاية) من العين او (حبات الرمل) ، لذا اكتسبت سمعة طيبة خلف المستشفى والازقة المجاورة لها وعملها هذا بدون مقابل. 

من كتاب الوقائع المنسية لمدينة الناصرية 

للمؤلف محمد رحيم حسين الجوراني 

ص 276