أسعد الحسيناوي/مركز التضامن للإعلام
مدينة الناصرية مليئة بالوجوه الطيبة، ومن بين تلك الوجوه ، وجها وقورا ومهيبا ، الرجل الطيب الذي كانت له علاقة حميمة مع الناس ، كان يمتلك عاطفة رقيقة اعطى بها صفة المحبة إلى أهل مدينته،(إبراهيم دوخي ) كتب عنه نعيم عبد مهلهل قائلا:-
ذكريات بيت يطلُ على الفرات
يقسم الفرات جسد المدينة الى نصفين ، والناصرية تقع على ضفاف الفرات . مكسرة اضلعها من حنين حناجر الفقراء ..
وكلما الله صنع حضارة جديدة نذكرُ الدنيا بأن الحرف هنا ضاجع الطين بعاطفة الجسد والروح والغناء .
انه تأريخها ومؤرخ نبض قلبها لأن النهر يشبه طفولتنا في ادق التفاصيل النهر، يشبه طفولتنا وكهولتنا ومساء النعش...
عندما نفقد وطنا في ذاكرة صديق نحن نبكي والفرات الجميل له ضحكة من ألم .
يقع الفرات على ضفاف الناصرية وحين يعطش يشرب من دموع امهات المدينة اللائي شطرتهن الحروب نصفين ، نصفٌ الى الله ..ونصف لرسائل عشق ابنائهن .
وكنا نحسد كل ساكن بيت نوافذه تطل على الفرات . ولهذا اختارت ذائقة المرحوم الحاج ابراهيم دوخي ( 1931 ــ 2004 ) بيتا يطل على الفرات من جهة النمتزه يوم تم توزيع تلك الاراضي الى موظفي البلدية .
خلدون ولده الطيب كان صديقنا وكنا نذهب اليه لنرى جمال تلك الحديقة التي كان يعتني بها المرحوم والده حيث اشجار الشبوي وشتلات الجوري ونعاس القرنقل الاحمر في ليل تلك الايام التي صنعت برائتها من كتب المدرسة ونكات سلمان هادي وعارضته السينمائية اليابانية ومزاح ظافر محمد رضا والشهيد كريم عناس ورياض الدجيلي واخيه محسن .
زمن كنت ارى فيه المرحوم ابراهيم دوخي مثالا للكياسة والشخصية الرصينة والموظف المثالي الذي احترمته المدينة لطيبته وتقواه وعلمه ونزاهته حيث كان مديرا لمعامل بلدية الناصرية فنال من دقة عمله وحرصه وجاهته بين الناس.
شكل مع اصدقاء له حلقة معرفية وتواصل اجتماعي وكان الاكثر قربا له هو المرحوم الحاج محمد الدجيلي والمرحوم حميد المياح والاستاذ يحيى الحمداني وكان ايضا من مريدي ومصاحبي اية الله محمد باقر الناصري في الصلاة والدرس الفقهي.
ابو خلدون امتلك عاطفة رقيقة اعطى بها صفة المحبة لأهل بيته ليصبحوا نسخة منه ( خلدون وزيدون وحيدر ) حيث كانوا يمثلون ذرية الاب الطيب ومحاولته لتعليمهم ، غير ان خلدون كان هو القريب لصحبتنا لانه الاكبر ، وكان يجمعنا في باب بيتهم لقاءات نقاش نستفيد منها بحديث شيق للحاج ابراهيم دوخي ، وذات الحديث يكرر حلاوته حين يجدنا جالسين على دكة بيت الحاج محمد الدجيلي ليصحبه كل مساء الى الصلاة في جامع الشيخ عباس.
المرحوم ابراهيم دوخي شخصية رصينة في حضورها وثقافتها واناقتها ، يمتلك ذاكرة حضارية ومتنورة وكان لايهادن في عمله الوظيفي وربما كان قريبا لعاطفة عمال معامل البلدية حنون عليهم وكريم معهم لهذا احبوه ، ومن ذلك الحب نال خصوصية مميزة لشخصيتها التي منحت الاخرين نظرة الاحترام الخاصة لهذا الرجل الوقور التي تعلم ان يخفي وراء ملامحه الحادة والمجهولة حزنا والمَ كبيرا يوم غادره ولده الكبير خلدون ليعيش في المنفى ولم يره لسنوات طوال.
يحدثني خلدون بصعوبة تلك الايام وذعره من المكالمات الهاتفية المسروقة ليسمع صوت والديه .
لكنه كان يستمد من قوة الإرادة في قلب ابيه عزيمة واثقة ليتحمل بها غربته عن بيته الذي شهد ذكريات المكان الجميل حيث الفرات والمتنزه وايام مراجعتنا لدروسنا.
يوم توفي الحاج ابراهيم دوخي افتقدت المدينة وجها وقورا ومهيبا ، واتذكر حزن صديقة الحميم اليه الحاج محمد الدجيلي والذي كان يغلبه البكاء لرحيل صديق لازمه العمر كله ، وبعد ستة اشهر تقريبا لحق المرحوم ابو رياض صديقه ابي خلدون الى علياء عالم الاخرة والسرمدية البعيدة.
روح ابراهيم دوخي الرجل الطيب وهي تستعاد الان مع حركة موج الفرات القريب من بيته تسجل بتفاصيل محبة المدينة لذكرى ذلك الرجل المرمن والطيب.