عبد جبر الشنان
من الضروري ان نقر منذ البدء بان تطبيق مواد الدستور العراقي الحالي قاصرة ولم تكن بمستوى طموح المثقفين العراقيين والعاملين في مجال الثقافة والأعلام بالرغم من ان هذا الدستور قد تناول حقوق المثقفين العراقيين ضمن الباب الثاني الخاص بالحقوق والحريات حيث تضمن المادة (35) الآتي: (ترعى الدولة النشاطات والمؤسسات الثقافية بما يتناسب مع تاريخ العراق الحضاري والثقافي وتحرص على اعتماد توجيهات ثقافية عراقية اصيلة). كما تضمن المادة (38) من الدستور الحريات التي تكفلها الدولة وهي حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل وحرية الصحافة والطباعة والأعلان والنشر. وبأجراء مقارنة لهذه النصوص مع النصوص الواردة في الدساتير العراقية السابقة وحتى العربية نجد انها متقدمة عليها حيث تناول الدستور الحالي وبنص صريح, رعاية الدولة للنشاطات والمؤسسات الثقافية وان تترجم هذه الرعاية بشكل ملموس يوجب على الدولة, تقديم الدعم المادي والمعنوي للمثقفين في نشاطاتهم الفردية والجماعية وضمان تاسيس مؤسسات ثقافية تستوعب وتدعم النشاط الثقافي من خلال سن قوانين خاصة بهذه الانشطة او من خلال تبني وزارة الثقافة لهذه الفعاليات، الا ان المثقفين والمهتمين بالشأن الثقافي لاحظوا ان ذلك لم يحدث واصيبوا بخيبة امل كبيرة واهمال مجحف للمثقف ودوره الريادي في بناء وقيادة المجتمع المدني الحضاري العراقي.
ان حرية التفكير ركيزة اساسية من حق المواطنين عامة لكنها يجب ان توفر للمثقفين ,لانها تعنيهم بشكل اساس حيث ان من حق كل مثقف ان يفكر بحرية وبمنأى عن المؤثرات السياسية والطائفية والعرقية. ويؤكد الخبير القانوني زهير ضياء الدين في كل مؤلفاته وبحوثه ويقول ذلك بصراحة ويؤكد ان من المفيد قبل ان نتحدث عن حقوق المثقفين في الدستور ان نطلع على المواثيق الدولية التي تحرص على اهمية الثقافة والمثقفين، ويركز بهذا الخصوص على الأعلان العالمي لحقوق الانسان الذي اعتمد من قبل الجمعية العامة في العاشر من كانون الاول عام 1948 كأول وثيقة تضمن هذه الحقوق حيث نصت في مادتها الثامنة عشرة على (ان لكل شخص حق في حرية التفكير والوجدان والدين).
ثم جاء العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والذي اعتبر نافذاً في الثالث من كانون الثاني سنة 1976 وجاء في مادته الخامسة عشرة (من حق كل فرد ان يشارك في الحياة الثقافية وان تتخذ الدولة التدابير لضمان الممارسة الكاملة لهذا الحق والتي يجب ان تشمل صيانة العلم والثقافة وانمائها واشاعتها وان تعمل على انماء الاتصال والتعاون الدولي في العلم والثقافة). وكانت منظمة اليونسكو في مؤتمرها العام المنعقد في سنة 1966 قد اصدرت اعلان مبادئ التعاون الثقافي الدولي الذي يتضمن ان لكل ثقافة مكانة خاصة وقيمة لابد من احترامها والحفاظ عليها وان لكل شعب من الشعوب حق وعليه واجب في تطوير ثقافته.
يعود الخبير القانوني زهير ضياء الدين معرجاً على حقوق المثقف في الدساتير العراقية مستعرضاً دور المثقف واهمية الثقافة في دساتير العراق منذ الحقبة العثمانية، فلقد تضمن الدستور العثماني الصادر في عام 1876 عندما كان العراق جزءاً من الدولة العثمانية، فتنص الفقرة (12) من حقوق تبعة الدولة العثمانية الخاصة على ان (المطبوعات هي حرة ضمن دائرة القانون). وهذا هو النص الوحيد ضمن الدستور الذي يتعلق بالثقافة والفنون.
اما القانون العراقي (دستور 1952) فقد تضمن المادة (12) منه الجانب المتعلق بحرية ابداء الرأي والثقافة جاء فيها (للعراقيين حرية ابداء الرأي والنشر والاجتماع).
اما الدستور المؤقت الذي صدر بعد ثورة 14 تموز وبتاريخ 27 تموز عام 1958 فقد نصت المادة (10) منه على (حرية الاعتقاد والتعبير مضمونة وتنظم بقانون) رغم ان هذا الدستور كان مختصراً وأعد على عجل.
في 29 نيسان من عام 1964 صدر الدستور المؤقت للجمهورية الثانية وتضمن المادة (29) منه على (حرية الرأي والبحث العلمي مكفولة ولكل انسان حق التعبير عن رأيه ونشره بالقول او الكتابة او التصوير وغير ذلك في حدود القانون).
ويلاحظ ان النصوص المتعلقة بموضوع حرية الفكر كانت اكثر اتساعاً وتفصيلاً من الدساتير السابقة.
وجاء دستور 21 ايلول 1968 يتضمن النصوص السابقة ضمن المادتين: (31) و (32) اما دستور 16 تموز 1976 المؤقت فقد اختصر النص كما اورد في المادة (26) والذي جاء فيه (يكفل الدستور حرية الرأي والنشر). وكان مشروع دستور العراق لسنة 1990 الذي اعلن في تموز 1990 بعد انتهاء الحرب العراقية ـ الايرانية والذي كان من المؤمل طرحه للاستفتاء العام ولم يتم ذلك بسبب حرب الخليج.
كان هذا المشروع اكثر تفصيلاً في تناوله حرية الرأي والفكر حيث تضمن المادة (52) ما يلي: (حرية الفكر والرأي والتعبير عنه وتلقيه بالوسائل الاعلامية والثقافية مضمونة هذه الحريات).
اما المادة (54) فقد نصت: (حرية الصحافة والطباعة والنشر مضمونة وينظم القانون ممارسة هذه الحرية ولا تفرض الرقابة على الصحف والمصنفات الا بموجب احكام القانون).
من المؤكد ان العبرة ليست بالنصوص التي ترد في الدساتير والقوانين رغم اهميتها وقيمتها الا في الدول الديمقراطية التي تتمتع بحكم مدني بعيداً عن كل اشكال الهيمنة.
بعد سقوط النظام الدكتاتوري وصدور قانون ادارة الدولة للمرحلة الانتقالية في اذار 2004 تضمن باب الحقوق والحريات وضمن المادة (13) ما يلي :
(للعراقي الحق بحرية الفكر والضمير والعقيدة).
يتناول الخبير القضائي زهير ضياء الدين بعض الدساتير العربية والاجنبية في طريقة ايراد الثقافة ضمن موادها الدستورية لمقارنتها مع ما ورد في الدساتير العراقية.
فقد تضمن المادة (39) من الدستور السوداني وتحت عنوان حرية التعبير والاعلام، (لكل مواطن حق لايقيد في حرية التعبير وتلقي ونشر المعلومات والمطبوعات والوصول الى الصحافة دون مساس بالنظام والسلامة والاخلاق العامة وذلك وفقاً بما يحدده القانون).
(تكفل الدولة حرية الصحافة ووسائل الأعلام الأخرى وفقاً لما ينظمه القانون في مجتمع ديمقراطي).
(تلتزم كافة وسائل الأعلام باخلاق المهنة وعدم اثارة الكراهية الدينية او العرقية او العنصرية او الثقافية والدعوة الى العنف او الحرب).
بالنسبة للدستور السويسري الذي يلاحظ عليه انه دستور دولة ديمقراطية وعلمانية التوسع في مجال حرية الرأي والعقيدة والمعلومات والاعلام ضمن المواد (15ـ16ـ17) لقد كفل الدستور حرية الضمير والعقيدة والحرية في اختيار الدين والاعتقاد الفلسفي والمجاهرة بذلك فردياً او جماعياً اضافة الى حرية الرأي والمعلومات وتكوين الرأي والتعبير عنه ونشره بكل حرية والحصول على المعلومات ونشرها اضافة الى حرية الصحافة وكافة وسائل الأعلام، كما نص على عدم جواز الرقابة على الصحف وضمان اسرار التحرير.
اما الدستور الاسباني فقد تضمن ضمن المواد (16ـ20) منه كفالة حرية التعبير والنشر بحرية عن الافكار والآراء ونشرها اضافة الى صيانة حق الانتاج والابداع الادبي والفني والعلمي وحرية تبليغ واستلام معلومات صحيحة بحرية من خلال وسائل الأعلام مع تنظيم القانون حق السرّ المهني والاخلاقي وعدم جواز تقييد ممارسة تلك الحقوق باي شكل من اشكال المراقبة ويتولى البرلمان تنظيم ومراقبة وسائل الأعلام التابعة للدولة اضافة الى عدم جواز حجز أية منشورات او تسجيلات او اية وسيلة اعلامية الا بموجب امر قضائي.