أسعد الحسيناوي /مركز التضامن للإعلام
صحفي ومحامي وشاعرادبي كل هذه المواصفات اجتمعت في شخصية واحده ، ولد في مدينة الناصرية وكان محبا للأدب والشعر، عمل في الصحافة وكانت مقالاته متميزة عن الآخرين هو:-
المرحوم المحامي عبد المحسن داوود القصاب :
هو عبد المحسن داوود بن حسون بن حسن بن محمد بن سلمان بن اسود بن جاسم الخلف بن عبد العزيز بن الأمير خالد بن سيف بن عجاج بن عامر بن نور الدين بن محمد بن جميل الذي يرجع نسبه الي جدهم موسى الملقب ((ابو سبحة)) ابن ابراهيم المرتضى بن الإمام موسى الكاظم (ع) كان جده محمد بن سلمان بن اسود من مواليد قرية ((كوتي)) من توابع ((التون كوبري)) في كركوك في حين نزح أحد أحفاد محمد سلمان والمدعو داود بصحبة أفراد أسرته إلى ديار المنتفك بسبب المضايقات والمشاكل التي كان يثيرها رجال الدولة العثمانية وداود هذا كان يمتهن القصابة وعرف في الناصرية داوود القصاب أما ولده عبد المحسن المولد في الناصرية عام 1916م درس الابتدائية والمتوسطة ثم عين بدائرة البريد والبرق وكان يحب الأدب والشعر خصوصا حيث كان والده ((شاعرا)) وأكمل الاعدادية بالامتحان الخارجي الوزاري ودخل كلية الحقوق وتخرج منها ثم عمل في مجال الصحافة وأخذ ينشر نتاجه الصحفي والأدبي في الصحف والمجلات العراقية.
وكان يذيل عموده الصحفي اوبقية المقالات الأخرى على الصفحة الأولى لجريدة المنتفك التي كان يصدرها المرحوم لفتة مراد ب((ابن الناصرية)) وكذلك كتب في مجلة البطحاء.
كان القصاب يحب الناصرية حبا كبيرا وكان واضحا هذا في شعره وفي كتاباته الأخرى وصادف أن قرأ له متصرف لواء بغداد المرحوم عبد العزيز القصاب فطلب مقابلته ليتعرف على هذا الشاعر القصاب وهل يمت بصلة قربي للمتصرف أم مجرد تشابه بالالقاب وخرج شاعرنا وابن الناصرية البار من هذه المقابلة وهو منزعج وذلك لطبيعة الأسلوب الذي تمت به المقابلة والأسلوب الفظ من المتصرف فكانت مقابلة جافة بسبب لقبه بالقصاب وان المتصرف مستغربا من أن مثل هذا الشخص من الناصرية. فرد عليه باليوم الثاني وبجريدة المنتفك شعرا ونقدا بمقدمة قال فيها انا ابن قصاب الغنم وليس قصاب البشر وقال قصيدة طويلة منها :
يامن هجا البلد المحبوب دون هدا
وراح يرميه بالتشويه والدرن
فهل مدينتنا للهند تابعة
ام القوقاز واليونان والدكن
ام ان أبناءها للزنج وارثة
وامها من كرام العرب لم تكن
ام الفرات الذي يعلو شواطئها
وابناؤها الأفذاذ لم توهن ولم تهن
.
فاتصل المتصرف بالمرحوم صالح جبر وكان وزيرا وقال له يا أخي ماذا فعل بنا قصابكم. فرد عليه المرحوم صالح جبر هذا أهون من أن تقع في شعراء ((الحسجة)) من الناصرية فلن تخلص منهم أبدا. لكن العلاقة أخذت طابعا آخر بعد هذه المقابلة وبدأت تتحسن ثم أوضح المتصرف عبد العزيز القصاب لوالده البكر المرحوم عبد المجيد القصاب الذي كان وزيرا للصحة عام 1952م في حكومة نور الدين محمود كما كان وزيرا للمعارف عام 1953م في حكومة الدكتور محمد فاضل الجمالي واوصاه بضرورة المحافظة على العلاقة ببيت القصاب في الناصرية فأصبح فيما بعد عبد المحسن بن داود صديقا لعبد المجيد القصاب واستمرت اللقاءات بعيادة الدكتور عبد المجيد القصاب الكائنة في محلة العاقولية القريبة من ساحة الرصافي اليوم. كان القصاب من بين أوائل أبناء الناصرية الذين عملوا في السياسة بشكل ناشط وفعال وبدأ ذلك في انتمائه لحزب المرحوم جعفر ابو التمن ((الحزب الوطني العراقي)) كما شارك في انتفاضة عام 1935م التي بدأت شرارتها في مدينة سوق الشيوخ وقد قاومتها الحكومة بأسلوب وحشي واستخدمت فيه الطائرات لقمع الانتفاضة وبعد القضاء على الانتفاضة تم اعتقال العديد من أبناء سوق الشيوخ والناصرية وسيقوا إلى المحكمة وحكمت المحاكم الخاصة على كل واحد منهم : عبد الغني الحمادي وعبد الصاحب السنيد وعبد الجبار حسون جار الله وعبد المحسن القصاب ومحمد جواد العضاض والحاج جبار غفوري القماش بالحبس والاشغال الشاقة وكذلك على المرحوم السيد عبد المولى الدهان ابو سمير لقرابته من الشيخ ريسان بالإعدام شنقا ثم خفف للحبس المؤبد وعلى عبد الوهاب الركابي مدير الثانوية وعبد الكريم شعبان بالحبس والاشغال الشاقة لمدة 12 سنة وعبد الحسين الحاج جاسم السلطان وعبد الجليل الغرباوي وناصر علي العطار وغيرهم بالحبس والاشغال الشاقة لمدة خمس سنوات وفيها قال شاعر العرب محمد مهدي الجواهري في ثورة الرميثة والناصرية :
غمرت ديار الطارئين ونكست
دور شرها أهلها بالغالي
شعبا أراد به الوقيعة خصمه
وبنوه وهو ممزق الاوصال
شغل الفرات بضيمه عن دجلة
ونسى جنوبي الفراق شمالي
واذا سألت الرفق كان جوابهم
ما للقلوب الموجعات ومالي
.
وبعدها أصدر الملك غازي الأول العفو العام عن المسجونين السياسيين من الرميثة والناصرية والنجف والكاظمية في 1936/9/7م ، وهكذا عاد القصاب إلى مدينته ورفاقه من السجن وهم بعز شبابهم يتحملون التعذيب ضد الطغيان رغم ضعف الحالة المادية لبعضهم لكنهم كانوا افذاذا في وطنيتهم أوفياء لمدينتهم الناصرية البطلة وهو إضافة إلى ذلك كان مؤرخا سياسيا وله مؤلفات قيمة في هذا الجانب من آثاره تلك:
1- ذكرى الأفغاني في العراق، بغداد 1945م
2- فصل الثاني بغداد 1945م
3- مجانين النازية 1942م
كما أن عبد المحسن القصاب قد كتب القصة في منتصف ثلاثينيات القرن الماضي ويعد من أوائل من كتب القصة من أهالي الناصريه حيث نشر اول قصة له في جريدة الراعي عام 1935م بعنوان : صريع الفقر، كما مارس الترجمة ونشر له جعفر الخليلي في الهاتف العديد من القصص المترجمة عن الأدب الإنكليزي الذي احسن اختيارها وأجاد ترجمتها.
وعند انتقاله إلى بغداد ليكمل دراسته في كلية الحقوق أخذ يعمل في مجال الصحافة وبدأ يكتب للصحف البغدادية في مجالات مختلفة في السياسة والأدب والمجتمع كما استهوته الصحافة السياسية كثيرا وتعرف من خلال عمله هذا على الكثير من الوجوه ورجال السياسية وبدأ الكثير منهم يستميله لسياسته لما لعبد المحسن من الملكات ماكانت تجعله موضع اعجاب عند الكثير وفتحت له كوة من الحياة الرغيدة لكنها لم تنسبه حقيقة الأدب الكامنة في نفسه التي تتطلب من الأديب أن يصدع بها ويعطيها ماينبغي من الرعاية والاهتمام.
نعم انه لم ينس حقيقة الأدب ولقد كان أدبه هذا شاهدا كبيرا على قيمة الأدب عنده يوم حصل بعض الالتباس عند البعض في نسبته إلى أسرة ((آل القصاب)) فاندفع عبد المحسن يصحح هذا الالتباس على صفحات الجرائد ويشير في صراحة تامة إلى أنه ليس له علاقة بآل القصاب الملتصقة به كما قال عبد المحسن الاصفة لأبيه الذي كان ((جزارا))، وأن مثل هذا الاعتراف الذي يجري في ظرف لم يدع إليه داع ولم يطلبه منه طالب الدليل كبير على ماتحمل تلك النفس من أدب ومعان تنم عنها هذه المكاشفة وهذه الصراحه والشعور بلذة إرسال الحقيقة على سجيتها.
وله في مجال الصحافة عمود كان ينشره متسلسلا على صفحات جريدة الهاتف منذ العدد 371ك 2\1945م، تحت عنوان : ((في مجال محاماتي)) قال في مقدمة هذه السلسلة : اذا كان عرفني قراء جريدة ((الهاتف)) بالامس قصيصا ينزع من صميم المجتمع ومن مسلكي القانوني فأقدم لهم في كل عدد بعون اللة حادثة مما وقعت في حياتي اليومية الجديدة عسى ان يكون بها فائدة وفيها متعة.
وقد عملت هذه السلسلة عملها في نفوس القراء لانها كانت سلسلة من مصائب البيوت والاسر والمشاكل المعقدة من الاجرام التي لم يستطيع ان يضع يده عليها وينبه الأفكار الى خطورتها ولايدل على موطن علادها غير محام لبق واديب حساس فكان المحامي عبد المحسن القصاب هو ذلك المحامي الذي يملك شيأ من اللباقة والادب.
ثم بعد سنة 1945م سكن العاصمة بغداد واصيب هناك بمرض التدرن الحاد، وعندما اشتدت حالته الصحية سوءا سافر الى لبنان ودخل مسنشفى ((بحنس)) وهناك قام بنشاط كبير في مختلف النواحي الادبية ودعا الى تأليف فرقة مسرحية من مرضى المستشفى، كما قام بتأليف جمعية ادبية نفخ فيها شئا من روحه فاذا بعدد كبير من أعضائها يستحيل بين ليلة واخرى الى متأدب يعشق الادب ويتابع الصدارات الادبية.
كما شارك عبد المحسن القصاب في عدد جريدة الهاتف القصصي الصادر عام 1947م يوم كان مريضا في لبنان بقصة تحت عنوان ((قصتي)) قال فيها: كتبتها وانا في غمرة عنيفة من المرض الذي لا يعطف ولا يرحم، كتبتها وانا في اعنف ازماتي النفسية والحياتية ومن يدري فربما كانت هذه الأقصوصة تحية وداع ابدي وفعلا كانت كلمة وداع حقا اذ كانت المنية اسرع لابي كفاح بهذا المصح وتوفي رحمه الله يوم 8\5\1947م ودفن في مقبرة السيدة زينب (ع) في الشام وهولم يتجاوز العقد الرابع من عمره ولما عصره المرض قال قصيدته التي يئس فيها وهو على فراش الموت في لبنان:
رفقا بنفسك ايها القصاب تسعى وسعيك ليس فيه مثاب
وقد ترجمه المرحوم جعفر الخليلي في كتابه المعروف : ((هولاء عرفتهم،ج1)) وللمحامي عبد المحسن القصاب ثلاثة اولاد هم كل من كفاح ونضال وسلام.
من كتاب الناصرية تاريخ ورجال / الجزء الرابع
ص13 ص14 ص15
تأليف عبد الحليم أحمد الحصيني