أسعد الحسيناوي/مركز التضامن للإعلام
رجل عرفته الناصرية ،هو من أكثر الدعاة لأعلاء شأن المدينة وأكثر المطالبين بأرساء صرح الثقافة والإعلام، ورحل الإنسان الناصري الطيب ولكن اسمه بقي محتفيا بهالات الضوء وعطر الذكرى واناشيد الوفاء، ( شاكر الغرباوي ) ،نبض قلب المؤرخ الطيب ، كتب عنها الاستاذ نعيم عبد مهلهل ، قائلا :-
الوجوه العميقة الرؤيا تسجل تواريخاً مهيبة لمدينة تحتفي بالماء والنخيل والقلوب الطيبة تدعى الناصرية .
هي مدينة لصدى اناشيد ارواحنا عندما تتعمق في صلواتنا تراتيلها واحساسها انها مدينة للضوء وخواطر الهتها المنتشرة على طول ضفاف تواريخ مدنها العريقة والأسطورية ( أور والوركاء وتللو ولارسا وتل العبيد ) وكل امكنة الحلم التي نوثقها بعاطفة غرام قلوبنا وهي تخفق في اديم محبتها ورقتها وجنوبها .
وحتما الابناء هم من يدينون صلة الوفاء مع المدينة ورقتها المسكونة الى جمالية النظر من نوافذ الريح والبساتين ومحلاتها العتيقة .
والمؤرخ المرحوم شاكر الغرباوي يمثل بعض تلك الهالات الخالدة في تواريخ المدينة وازمنتها وحياتها الاجتماعية والثقافية والحضارية .
يلتصقُ وجه المرحوم المحامي والمؤرخ شاكر الغرباوي ( 1923 ــ 2002 ) بوجه الناصرية كما يلتصق العطر بالوردة في علاقة صنعها عشقه لمدينته وتأريخها ، ملتصق بكل ذرة تراب ومجاهد اسطوري من أجل اعلاء شأنها في المحافل والمناسبات ، وكان من جهده لها في اول شبابه إن اسس عام 1946 صحيفة البطحاء لتكون رائدة في ارساء القيم الثقافية لهذه المدينة العريقة.
المرحوم الاستاذ شاكر الغرباوي عرفته الناصرية واحد من اكثر الدعاة لاعلاء شأن المدينة واكثر المطالبين بأرساء صروح العلم والثقافة والجمال فيها عندما نادى ومنذ سبيعينيات القرن الماضي بالدعوة الى انشاء جامعة ذي قار وفي زمنه عندما كان مديرا لبلدية الناصرية بنى وأسس متنزه الناصرية الذي والى اليوم هو المتنفس الوحيد لابناء المدينة ويحتفظ هذا المكان بذكريات اجيال لاتحصى من ابناء المدينة عندما كان واحة وساحة لاحلام اعياد طفولتنا وكتابات غرام مراهقتنا على جذوع اشجاره ومصاطبه الكونكريتية وبحيرة الاسماك ، واليوم المكان شاخ وتعب ولم يعد يزهو بجماله مثلما ستينيات وسبيعينيات القرن الماضي ولم تهتم به البلدية مثلما كانت في عهد المرحوم شاكر الغرباوي.
غير اني في آخر زيارة له قبل اشهر وجدته وقد عادت اليه بعض من عافيته إلا أن كازينو المتنزه المكان الساحر على الفرات لم يزل مخرباً.
ساهم المرحوم شاكر الغرباوي في المسيرة النهضوية للمدينة وكان عونا لنا عندما اسسنا الاتحاد العام للادباء والكتاب في الناصرية ، وبالرغم من علته العصيبة يوم فقد ولده الوحيد محمود بحادث سير عام 1988 إلا أن الرجل ظل مواظبا في جهده التأليفي وكتاباته المتنوعة خاصة ما يهم تأريخ مدينة الناصرية ، وله في هذا المجال مجلدين كبيرين طالما انتظر لاحد أن يتبنى مشروع طبعهما ولكن لاحياة لمن تنادي .
كنا نحصل على الوعود فقط واعتقد انهما لم يزالا مخطوطين في مكتبته وربما اعطيت هذه المخطوطة الثمينة لمتبرع بطباعتهما ،لكني لم اقرا الى الان خبر عن انجازها ، وكان الاجدى بالمدينة واهلها والمتمكنين فيها من تجار ورجال اعمال أو مجلس محافظة او الجامعة ان يحفظوا تراث مدينتهم عبر هذا المخطوط النادر الذي افنى فيه المرحوم شاكر الغرباوي زهرة عمره لينجزه ويتركه ارثا للمدينة واجيالها.
مات شاكر الغرباوي في شيخوخة حزنه على ولده الوحيد ، ومع مرض لازمه طويلا ليكون جليس بيته ، وربما ندرت الزيارات اليه على المستوى الرسمي سوى زملاءه في المحاماة والقضاة والادباء ، واتخيله في اواخر عمره المليء في العطاء وقد تشنجت في فمه الكلمات إلا ان ايماءته ظلت عميقة وتحكي تواريخ مجد المدينة منذ عهد اور حتى مسيرته الطويلة مع الحياة. المحامي شاكر الغرباوي ، وكان الاجدى بالحكومة المحلية والمحافظ ان ينتبه الى ارثه وماترك وما قدم ، يقام له تمثال ، يسمى بهو البلدية بأسمه ، ولايتركوا فضلهم عليه بأسم مدرسة حملت اسمه بعد عام 2003 ولكنها مدرسة صغيرة وهرمه في حي الزهراء بأطراف مدينة الناصرية .
مات شاكر الغرباوي .المؤرخ والمحامي والانسان الناصري الطيب ولكن اسمه بقي محتفيا بهالات الضوء وعطر الذكرى واناشيد الوفاء.........!