صحيفة اوان

مجلة مبرات التضامن التي اصدرت عام 2016

جمعية التضامن على الفيس بوك

شعيرة الاعتكاف في جامع الشيخ عباس الكبير

#

 

أطفال الأهوار والقاص المصري

Wed , 2017/02/08 | 12:37

حسن السهلاني/مركز التضامن للإعلام

الاهوار الجنة المفقودة والموجودة في آن واحد على ارض العراق، هناك في الجنوب تمتد على مد الأفق والمياه التي جفت وعادت إلى الوجود بفضل أرواح  الأجداد التي  مازالت تحوم فوق المياه وبين أعواد القصب، ولهذه الجنة تجد الكثير من الحكايات والأساطير، التي تروى عن الأهوار عموماً وعن (اليشن) خصوصاً، تتراوح بين الواقع والخيال،

عن هذا الموضوع كتب الأستاذ نعيم عبد مهلهل، مقالا بعنوان (أطفال الأهوار والقاص المصري)، يقول فيه:-

كنت تلميذا في مدرسة الكاظمي الابتدائية في مدينة الناصرية، وكانت المكتبة المدرسية عبارة عن دولابين خشبيين وضعا في غرفة إدارة المدرسة، وفي اليوم الذي يقرر فيه معلم العربية في الخامس الابتدائي الأستاذ المرحوم عبد الرضا نعمة أن يكون درسا لقراءة قصة، يرسلني أنا لأجلب قصصاً بعدد طلاب الصف وأوزعها على التلاميذ، واجمعها في الربع الأخير من الوقت حيث يختار منا تلاميذَ يتحدثون عن مغزى القصة التي قرؤوها،

وكنت أحرص حينها أن تكون القصص التي أقرؤها من تأليف محمد عطية الإبراشي، هذا الفيلسوف والحكواتي والمفكر المصري، المولود في العام 1897، في قرية العزيزية ــ محافظة الشرقية، والذي أدين لسحر قصصه بالفضل لتنموَ معي ملكة التأليف وأُصبحَ قاصا وروائيا وكاتبا لعدد من مسرحيات الأطفال .

كانت متعة رائعة حين أقضي نصف الليل في العوم بالأخيلة الأسطورية لقصصه عندما يُسمَحُ لنا باستعارتها من مكتبة المدرسة ليوم أو يومين، فكانت قصصه ( أطفال الغابة ، السلطان المسحور ، الأميرة الحسناء ، الأنف العجيب )، والكثير من القصص تمثل بالنسبة لي فضاء من المتعة، حرصت أن أنقلها من ذاكرتي لذاكرة التلاميذ أبناء القرية التي عُيِّنْتُ فيها معلما عند ضفاف شواطئ الاهوار، فقط لأنقلهم إلى عالم آخر غير عالم أسراب القطا والبط وغناء صيادي السمك والتعلم باكرا قيادة قطعان الجواميس، وأظن أن تأثير قراءتهم لقصص الإبراشي فتحت لهم آفاقا اخرى لأجواء لم يألفوها في أحلامهم التي لا تتجاوز بيئتهم البسيطة بمكوناتها، حتى أن واحدة من قصصه أثرت على أحد الأطفال عندما كانت تتحدث عن ضياع صبي في المقابر الفرعونية المظلمة وخوفه حين نفدت معه أعواد الثقاب، وفي ضياعه بين الأقبية والمقابر تعثر بتماثيل ملوك وكهنة وصدمت قدماه مومياء وتوابيت.

 هذه الحكاية دفعت التلميذ ( عناد ) ليتحدى الحظر بالذهاب إلى التلال التي تبعد عن القرية بفراسخ عدة وتظهر منها في الليل أضوية ويسمع قربها الصيادون اصواتاً غامضة، ليظنَّ المعدان إن هذه التلال المسماة ( الأشينات ) يعيش فيها الجن والسحرة واناس وملوك من أزمنة غابرة، والصحيح أنها تلال أثرية لسلالات سومرية عاشت هنا قبل آلاف السنين.
 
دفعت عناد ليأخذ مشحوف أبيه ويذهب إلى هناك، ليعيش أجواء قصة الابراشي على حقيقتها ، وعندما شعر الأب بفعل ابنه وجهة ذهابه جاء إلى سكننا قرب المدرسة، ليضع اللوم عليَّ فيما كانت الأم خلف الأب تنوح وتولول وهي تتوقع إنَّ ولدها أما سيقتله الجن أو يختطفه السحرة ولا يعود إليها ثانية 

 هدأت من روع الرجل، وتطوعت لأذهب خلفه كي أعيده لكن أي واحد من أبناء القرية خاف أن يجيء معي سوى شغاتي عامل الخدمة في مدرستنا تطوع ليكون معي بعد أن جلب سيفا، وحين سألته لماذا لم يجلب بندقيته ؟
قال: إن الجن يخاف من السيوف أكثر من البنادق،
 قبل أن نصل إلى الإيشان وجدنا عناداً راجعا بزورقه وحين شاهدنا قال مبتسما: أستاذ لم أجد أي شيء هناك ، لا مقابر ولا تماثيل ، لقد وجدت فقط جرارَ فخارٍ متكسرة..!

 

أطفال الأهوار والقاص المصري