محمد النيازي /مركز التضامن للإعلام
يعد عهد الإمام علي لمالك الأشتر من الوثائق التاريخية المهمة، وهو عهد الإمام عليٍّ أمير المؤمنين (ع)، الذي عهد به إلى واليه على مصر مالك الأشتر، وقد ضمّنه الخطوط العامّة والأمور المفصليّة للحكم وإدارة البلد بما يرضي الله، ويحفظ حقوق الرعية بمختلف طبقاتها، وخصوصاً تلك المغبونة حقّها دائماً، فهو بحقٍّ دستور رصين، وقانون متكامل، يقضي على الحاكم أن يجعل وصاياه نصب عينيه، ومفاهيمه لا تفارق مخيلته؛ حتى لا تغرق سفينة حكمه ويؤول أمره إلى تباب.
ومن هذا المنطلق تناول آية الله الشيخ محمد باقر الناصري، هذا العهد في كتاب اسماه (مع الإمام علي في عهده لمالك الأشتر)، وكتب سماحته في مقدمة الكتاب: لما كان هذا العهد من الوثائق التاريخية المهمة، وهو بمثابة ثورة اصطلاحيه بناءة لسير القادة والولاة مع شعوبهم ومن تحت أيديهم، ولرسم الطريق وتحديد العلائق بين- الفئتين،
بادرت لضبط العهد وشرح بعض معانيه مع تسجيل الجوانب ملأت نفسي إعجابا بالعهد، وأنا واثق إني لا أفي العهد الثمين حقه بعدما تعاقب على شرحه وطبعه وترجمته إلى كثير من اللغات علية القوم وأساطين العلماء والأدباء في مختلف الأجيال، ولكن الذي حملني على ما قمت به تجاه هذا العهد من الجهد البسيط هو ندرة الحصول عليه مع شدة الحاجة إليه.
واستخدم الشيخ الناصري في شرح العهد، من خلال شرح الجمل شرحا مفصلا ومعززا بالقران والأحاديث النبوية، فتجد سماحته قد علق على جملة (فالجنود بإذن الله حصون الرعية وزين الولاة وعز الدين وسبل الأمن وليس تقوم الرعية إلا بهم )، يشير إلى اشمل تعريف الواجبات الجند ومهامه سجله أمير المؤمنين في هذا العبارة حيث يشير إلى أن نصرة الجند في حماية البلاد والعباد وتحصين الحدود، منوطة بإذن الله ونصرته، فما النصر إلا من عند الله، ثم إن الجند زينه للولاة والحكام وهيبة لهم أمام أعدائهم، وفي ذلك حث الولاة على إكرام الجند وتحسين أحوال معاشهم ومظاهرهم وعدم التفريط بهم والجند بعد ذلك عز الدين وسبل الأمن، فان الدين مجموعة انظمه وتعاليم لا تكون عزيزة إلا إذا دعمتها القوة ونفذها الجنود وسهروا على الأمن من المفسدين والعابثين والمجرمين، تلك الفئات التي تشكل مصدر قلق وخطر على امن المواطنين ولا يستقيم أمر الرعية و لا تزدهر البلاد إلا بوجود الجيش الذي يحمي البلاد من العدو الخارجي.
ومما جاء في العهد، حيث أشار الإمام علي(ع) في عهده إلى شريحة الأيتام في العبارة ( وتعهد أهل اليتم وذوي الرقة في السن ممن لا حيلة له ولا ينصب للمسألة نفسه وذلك على الولاة ثقيل )، وهنا وصف سماحته هذه العبارة، بنظام الضمان الاجتماعي في الإسلام من حماية اليتيم من التشرد والفاقة بفتح معاهد وملاجئ تكفل لليتامى الرعاية والتوجيه، وتعفيهم مذلة السؤال وخطر التشرد التي هي من أهم فساد هذه الطبقة من البشر، وكذلك حماية المسنين من الناس ممن رقت أجسامهم لتقدم السن فيهم، بحيث أقعدتهم عن كسب المعيشة خاصة أولئك الذين لا يستطيعون التسكع والسؤال لسابق مكانتهم ولعفة نفوسهم، فلابد من إيجاد ملاجئ لهم يوفر لهم فيها الضروري لحياتهم أو تخصص لهم رواتب تقاعدية تضمن سد حاجاتهم وحفظ كرامتهم، ولا يخفي (ع) تحسسه لجسامة هذه المسؤولية على الولاة والحكام خاصة لمن يتعرض للسؤال ولا يتظاهر بالفقر والحاجة فيقول (وذلك على الولاة ثقيل ).
وتجدر الإشارة، إلى إن هذا الكتاب يتكون من 140 صفحه، طبع في بيروت عام 1973.