الشخصية اللطيفة والمثقفة وذات الصوت الحسيني الرخيم ،اسكن للمنبر محبته وكانه يديم ارث أبيه رحمه الله .ملا محمود شيخ أحمد
كتب عنه نعيم عبد مهلهل بعنوان :-
جارنا الودود والمؤمن
في شارعنا القديم ينبت الحب بين البيوت مثلما تنبت زهور الجوري في حدائق ربيع الذكريات ، البيوت التي تأوي أحلامنا وأرغفة الخبز وحقائب مدرسية صنعتها أمهاتنا من القماش ( الجتري ).
احتفت بنا وهي معنا في صباحات المدارس وأراجيح العيد ومواكب عاشوراء ، ولم يبق منها الآن سوى تلك الوجوه الجميلة والمصبوغة بحنين وطيبة من نوع خاص وهي تسجل تواريخ مضت، وربما وجه الشيخ احمد هو من بعض الوجوه التي رسمت في ملامحها تلك الهالة من الورع والسكون حتى يحسبن النساء في محلتنا ان وجهه مضيئا بالبركة وهو يمسك تلك الوداعة والطيبة.
كان ملا احمد من رواد التعليم بطريقة التلاوة وحفظ الذكر الحكيم وكان في بيتهم القريب من بيتنا ساحة كبيرة نجلس وسطها على شكل دائرة وفي الشتاء هناك غرفة للدرس وتعليم الألف الباء وحفظ الآيات ،ومن هذا الرجل الطيب والهادئ اكتسب ولده محمود ( الملا ) وأظن انه لاحقا ، اكتسب من أبيه الأحاسيس الإيمانية في حركة رأس أبيه رحمه الله وهو يحرك راسه مع إيقاع الترتيل والتجويد في سورة الحمد ومعه تهتز عصا نحيفة بيده .
عاش محمود بيننا في طيبته وتلك الابتسامة التي تسكن وجهه ،وكبر ليبقى معانقا أجفان امه بعد وفاه أبيه رحمه الله ،فكانت حريصة عليه ،وربما تساقط حزن العالم كله على صدرها يوم اتهموا محمود وكان عسكريا في قاعدة الأمام علي الجوية بالانتماء الى حزب إسلامي وتم إيداعه السجن ولم يخرج منه إلا بعد مرور سنوات.
بعد 2003 عاد محمود الى ذكريات شارعنا وتزوج وليعتلي المنبر قارئا حسينيا ، وقد حمل ذات الابتسامة التي اتسمت بالتسامح وطيبة القلب ، ولم التق به وقتها ، ولكني التقيته اول مرة في مجلس يقرا فيه عند الحاج داخل القروغلي في حسينيته وهناك تعانقنا واستعدنا ذكريات طفولتنا وبراءتها يوم كان الملا احمد الذي ذكره السيد عبد الحليم الحصيني في كتابه بأربع أجزاء الذي يتحدث فيه عن تاريخ الناصرية منذ تأسيسها والى اليوم وقد افرد له حديثا خاصا في باب التعليم في الناصرية.
الملا محمود الشخصية اللطيفة والمثقفة وذات الصوت الحسيني الرخيم ،اسكن للمنبر محبته وكانه يديم ارث أبيه رحمه الله والذي كان من بيوتات شارعنا الذي تأوي اليه أماني الأمهات في طلب قراءة الخيرة والطالع.
ملا محمود يقال اليوم انه موظفا في دائرة الوقف الشيعي ،ولا ادري ان كان بيتهم لم يزل في شارعنا القديم او انتقل الى مكان آخر ..ولكني اعرف ان صوت ملا محمود الذي سمعته ذات مرة في مجلس الحاج أبو هبة أعاد ألي الكثير من ذكريات طفولتنا القديمة ونحن نجلس صامتين امام والده الطيب.