عندما تغيب الوجوه من فضاء المشهد اليومي لواحدة من اعرق مدن الجنوب الحالم ( الناصرية ) يصبح الحنين إليها هو استعادة ما كان ، وما كان لن يعود ليكون إلا عبر دمعة الحنين واستغفار الرحمة والبحث في البوم الصور عن تلك الأيام التي لونت عقارب ساعتها بالضحكة والنقاش وقدح الشاي وسمك السفرات المشوي .

وجوه غابت لكن حضورها يحتاج إلى من يعيش نشوة استعادته ،وليس لك في النشوة سوى أن تتصور الغائب حاضرا وتتكلم معه.

التربوي وخادم الجامع والسيفاوي الطيب ومعلم الرياضة في مدرسة الشرقية محمد كريم هو واحد من تلك الوجوه التي غابت مبكرا وكان بالنسبة لي الصديق وصانع المرح والذي كان أيام الحصار يسأل بصوت خافت ،ما الذي يجري ويجري ؟

الذي جرى أن محمد كريم الذي مزج التمارين السويدية بسجدة الصلاة وتنامى معها محبا حسينا وان كان سريع الغضب والحركة والعاطفة غلا انه امتلك قلبا ابيضا وحضورا اجتماعيا جعل أبا عمار صاحب الحضور المحبب لدى الجميع خصوصا حين تسكنه النكتة والدعابة ثم يتحول إلى الجد وهو يعيش الحالة مندمجا مع فريق كرة القدم في مدرسة الشرقية فلا يهدئ إلا عندما يحقق فوزا ويعيش حزينا لأيام حين يخسر فريق مدرسته.

أحب حديث أبي عمار ،وطالما زرته في مدرسة الشرقية أيام كان مديره التربوي الرائع ناجي ياسر وكان كريما في حفاوته لضيوف المدرسة وهو من يقفز إلى المقهى التي تقابل المدرسة ليجلب لنا الشاي.

المرحوم محمد كريم ينتمي إلى عائلة عريقة انتمت إلى الناصرية بحب ونضال ومودة فأخيه الكبير المرحوم عاجل كريم كان معلما يساريا ولأجله فقدت والدته المرحومة حياتها حين خرجت تطمأن عليه في أحداث ستينات القرن الماضي وأتتها رصاصة من شرطي انضباط كان كلما يمر على شارعنا يؤشر عليه الجميع :هذا الذي قتل المرحومة أم عاجل ، فيما أخيه الثاني حمدي كريم أبو مازن واحدا من أساطير الدفاع في منتخب الناصرية ، أما رحيم فهو موظف في بلدية دائرة الماء والمجاري والقريب إلى صداقة إخوتي إذ إننا عشنا جيران ولم يزل بيتهم خلف بيتنا .

المرحوم أبو عمار ذائقة الرياضة المدرسية الجميلة والتي هجرها بعد 2003 ليكون مهتما بطقوس الدين والمذهب لتعتلي رأسه الحدرية واليشماغ الأبيض وليقضي اغلب أوقاته في جامع الشيخ عباس في سوق الصفافير يقدم خدماته للمصلين ولمواكب عاشوراء.

شعرت بالحزن للموت المبكر الذي سكن أبي عمار وكان القريب إلى ذاكرتنا والتذكير إننا جيران وانه كان يحترم في أبي سيره اليومي من البيت إلى سيف الطعام ليؤدي السلام