مركز التضامن للإعلام
مع دخول شهر محرم الحرام ترتشف دموع الحزن والأسى، مخلوطة بدموع الشوق والحنين إلى أولئك الأعزاء الذين كانوا يحيطون بنا ويشاركوننا حزن ومصيبة هذا الشهر الحزين، الذين كنا نتقاسم معهم كل اجر وكل ذكر، غابوا عنا ولن يعودوا مرة أخرى، غابت أجسادهم وظلت ذكراهم تسكن قلوبنا قبل عقولنا، لاسيما اولئك الذين كان لهم الاثر الواضح في هذا الشهر من اقامة المصاب والعزاء بإيام عاشوراء الحسين (ع) ومنهم صاحب الذكرى والاثر الطيب الشيخ المجاهد احمد ظاهر الشويلي رحمه الله، وقد كتب فيه نعيم عبد مهلهل قائلا:
(( بكى قلبي الليلة قبل أن تبكي عيناي... يغادر الأخلاقيون عالمنا إلى عوالم الملكوت عاجلاٌ. يشتاق ذلك العالم اليهم مثلما يشتاقون هم إليه. غادرنا الليلة الرجل الأخلاقي النبيل الشيخ أبو إبراهيم الناصري إلى عوالم الملكوت. لقد كان المرحوم، منذ التقيته في حوزة قم قبل ثلاثين عاماً، معلّماً كبيراً للأخلاق بسلوكه))
تلك هي مقدمة الرثاء الرائعة التي كتبها المفكر الكبير التنويري الدكتور عبد الجبار الرفاعي وهو يرثي صديق طفولتنا ومرح الذكريات في ثانوية الناصرية وحامل شعلة الابتسامة في مساءات القيصرية حيث كان والده خياطا ، وذلك الرثاء المهدى الى روح الشيخ احمد ظاهر والذي غادرنا في 14 اب 2017 بمرض لم يمهله طويلا ليسكن الى صمت الأبد والتقوى في واحد من مشافي بيروت ولتودع الناصرية انسانا طيبا لم ينل من كل دهر المنفى والمقاومة ومحبته الخالصة لقضيته ومذهبه لم ينل شيئا من الامتيازات التي يتمتع بها أقرانه بل رضى ليكون كفيلا ليتامى مدينته.
اعرف احمد صديقا منذ الطفولة ،وكان أخيه المرحوم سعد ظاهر الذي فقد في حادثة لم يعرف تفاصيلها الى الآن هو الأقرب الينا ، وكنا سوية دائما في الجلسات التي تجمعنا كصحبة دائمة انا وشاكر عبد الوهاب وإحسان النواس وعصام عبد العالي وعقيل عبد حمادي عندما كان بيت سعد في ذلك الزقاق القرب من مدرسة الكرامة وكان احمد يتواجد معنا في مرحه وروحه ومزاحه ، ولكنه عندما شب ونضجت في عقله مسارات انتماء ابتداها مصليا خلف الشيخ محمد باقر الناصري وقد انتظم في دروس مدرسته الدينة المسماة مدرسة التضامن الإسلامي ثم لحقه الى المنفى ليعيش كما وصفه الدكتور الرفاعي في شغف العيش والتقوى وتلك الأخلاق والهدوء التي حسدها عليه الجميع.
بعد عشرات السنين التقيت بالمرحوم الشيخ احمد ظاهر في مأتم المرحوم المهندس قاسم عبد الأمير النداف في كانون الثاني 2010 .فلم أبادر لأسلم عليه لشعوري انه قد نساني ،لكنه قام فجأة وصاح بين صمت المعزين :أهلا نعيم مشتاقين.
وقتها عانقت واستذكرت معه أيام قديمة كنا نعيشها معا في تلك البراءة والأمنيات ،وحين سألته ان جسده قد وهن وشكله تغير .قال :تلك ضريبة الابتعاد عن الأهل والوطن.
عاد الشيخ احمد ظاهر ليتكفل يتامى مدينته ويجعل إطعامهم وأكسائهم واحدة من اجمل رسائل حياته واعظمها ،وقد ضرب مثلا رائعا في تلك الممارسة التي اعدها دليلا على أيمان المؤمن بقضيته الإنسانية.
مات احمد ظاهر مبكرا ، توقف قلبه لكن دمعة فراقه ليتامى لم تتوقف ،لقد بقيت تشع بحنين غريب الى سؤال يسكن دمعته وروحه :من يتكفلهم بعده.
فيأتي الجواب معطرا بصدى كل تلك الذكريات القديمة مع هذا الشيخ الرائع : الله سيتكفلهم.!