توسيع شارع الحبوبي:

يمتد شارع الهوى عريضا ومستقيما من شرقي المدينة حتى غربها، توسطه حدائق مستطيلة زرعت أرضها بالدغل في جزرتها الوسطية، وتعالت فيها أشجار اليوكالبتوس وأحيطت هذه الحدائق في بعض الأمكنة بأسيجة من الأسلاك الشائكة حتى لا ينفذ أليها الصبيان فيقطعوا زهورها او أغصان الأشجار لغرض استعمال كحطب.

وفي نهايته الشرقية تقع (محلة الصابئة) وعلى حدود (بستان حاج عبود ألجازع) وبمحاذاة شاطئ الفرات اذ ان (الصابئة المندائيون) هؤلاء لا يسكنون الاّ على ضفاف الأنهار فكل طقوسهم لا تتم الاّ بالماء وبجوارهم يسكن (أصحاب الجاموس) ويطلق عليهم سكان المدينة (المعدان) وهم يجهزون المدينة كلها (باللبن ودهن الحر والقيمر والجبن).

أما في غرب شارع الهوى فيقع المستشفى الكبير(الجمهوري) في أول الأمر كان صغير (الفيصلي) فكان (فندق الجنوب) ثم نقل الى مكانه الحالي بعد بناء غيره فأصبح (الجمهوري) حاليا على حافه شارع الهوى بعد قيام الجمهورية عوضا عن الفيصلي لأنه ملكي.

وعلى امتداد شارع الهوى هناك شارع آخر يحاذيه ويوازيه في طوله وعلى احدى جهتيه بيوت الاغنياء من المسلمين واليهود بعدما كانت بساتين عامرة على طول الشاطئ وقد وضع (المهندس ألحبلجيكي جولس تيلي) شوارعها واستقامتها وجعلها تتصل كلها مع شارع الهوى الذي يشكل قلب المدينة من جهة وتربط بشارع النهر في طرفها الآخر .

أما التجار الذين يقطنون البيوت والقصور المحاذية للنهر فهو ورثة الرجال الاوائل الذين قصدوا المدينة منذ تشييدها وكان بينهم باعة وتجار واصحاب بساتين متمثلين بالتاجر اليهودي (نعمة الله نعوم) الذي بنى فيها اسواقا وخانات للمبيت أو مخازن ومقاهي منذ أن رأس السراي الحكومي الكبير يتوسط المدينة عاليا ومهيبا... وتحزم بيوت الفقراء المدينة من كل جهاتها، وهي بيوت طينية واطئة لها جدران من القصب في ممراتها يعسكر المرض والتحدي وعلى مشارفها يلعب الأطفال حفاة عراة في عيونهم البكر تموت احلام وتورق أخرى. 

استيقظت المدينة ذات يوم لتجد عددا كبيرا من العمال وهم يقتلعون أشجار اليوكالبتوس التي تتوسط الجزرة الوسطية في شارع الهوى، وليمهدوا الطريق أمام التراكتورات التي تزيح الزهور والأشجار الصغيرة وحشائش الثيل الامريكي. قد توقف الاهالي وعلى جانبي رصيف الشارع وهم مشدوهين فاتحين ثغرهم مصدومين لما رأوه أمام هذا العمل الذي لم يكونوا أن يتوقعوه يوما ما. وقال لهم رئيس البلدية (كامل حاج وادي) الذي كان يشرف على العمل بنفسه (لقد أمر المتصرف بهذا العمل لتطوير شارع الهوى لأن المدينة بدأت تزدحم وكثرت السيارات وعربات الربل والباعة المتجولين والثابتين )، وهذه أولى بوادر توسيع شوارع المدينة نتجة التوسع العمراني. 

من كتاب الوقائع المنسية لمدينة الناصرية 

للمؤلف محمد رحيم حسين الجوراني 

ص 285 ص 286