انشاء الجسر الحديدي (جسر النصر)1956-1958:

تكاد ان تباشر شركة (دورمن لوج) الهولندية بالعمل في بناء الجسر الحديدي (كما شيدت جسر الهولندي أيضا) الا انه أحيل الى شركة (وذرنك) البريطانية في أنشاء الجسر بهذا الهيكل الحديدي كان من عجب العجاب في ذلك الوقت ، فالكثير من سكان المدينة ومن جهتيها كانوا يقفون على ضفتي نهر الفرات وهم يراقبون العمال بجميع تحركاتهم وطيلة فترة أنشائه ، وقد القى المتصرف خطابا في حفل الافتتاح الذي حضره المدعوين وعامة الناس ، وقد تحدث في هذا الخطاب عن انجازات واهتمامات (الملك الفدى) لعامة الناس ، وكذلك نشاط المسؤولين الكبار وسهرهم على رعاية مصالح الشعب وتوفير الخدمات الضرورية لهم وما هذا الجسر الاّ احد مآثر الحكومة لقد كان الجسر عاليا ومهيبا في نظر عامة الحاضرين في حفل الافتتاح الرائع وهو ينساب صافيا وحنونا وان صفاء سطحه المنساب أصبح ناصعا ولامعا لعنان أشعة الشمس.

وقد تعالت الزغاريد من النساء الحاضرات وهن يتذكرن الجسر الخشبي القديم وأحداثه والمآسي التي حدثت فيه من اشهر لآخر وذكرى الأطفال والشباب الذين غرقوا او الحيوانات والعربات التي سقطت منه دون ان يقوى سياجه الركيك على حفظ وسلامة عابريه.

حتى ان البدو الرحلة عندما يعبرون عليه للتنقل من صوب لآخر للتوجه الى البادية في أوقات الرعي فأنهم يفقدون الكثير من الغنم، أما تسقط في النهر او تسرق من قبل السراق المنتظرين لهذه الفرصة او تتعثر في أرضية الجسر لشده الزحام مما يؤدي الى تحطيم أرجلها ولاتقوى على السير فتكون هذه من حصة القصابين المتواجدين هنا ايضا لانتظار اللحظات الحاسمة التي تقع فصلا كل سنة من عبور قطعان الرحالة فيتم شراء الغنم المكسور او البعير المكسور بأسعار زهيدة.

حتى ان كلاب البدو الرحالة تتيه هي الأخرى في زحمة الجسر وتخاف من عبور فتصبح سائبة تائه في شوارع البلدة.

وكم من المرات يلفت الجسر من ثوابته وتتقطع حباله ويحمله التيار الهائج للنهر في أيام الشتاء او العواصف ، ولم يتم الأمساك به او اللحاق اليه الا بشق الانفس في منطقة سوق الشيوخ او دونها ، وللجسر اربع رجال من المرور وهم (رومي- لفتة- حسين- علي- مري ابو مكي) وعند اكتمال وافتتاح جسر النصر تم سحب الجسر القديم الى قضاء سوق الشيوخ للاستفادة منه لينصب هناك وهو الآخر مع مشاكله، حيث كان العمال يضطرون الى ألانتظار ولساعات طويلة ، ومن الضياء الأول في الصباح لغرض العبور لا عمالهم في القضاء وان الانتظار في لحظات معينة تحصل لان بوابات الجسر تفتح لغرض مرور السفن المتوسطة والتي تحمل (الحبوب بأنواعها او الحيوانات او السمك) من والى لواء البصرة لأن النقل السريع والاسهل في ذلك الوقت هو النقل النهري ، ومن متاعب الجسر القديم في موقعه القديم في الناصرية هو الزحمة الحاصلة فيه اذ لم تفرغ ارضيته الغير مستوية ابدا من اصوات المارة عليه اذ ان أرضيته الخشبية غير مستوية مما يتعثر المارة عليه ، فقد كانت النسوة ينتظرن ساعات طويلة لغرض العبور لشراء النفط من محطة الوقود المجاورة لمحطة القطار القديمة وهن يحملن الصفائح (التنك) لغرض أملاءها امّا لبيوتهن او لبيعه ، وكذلك من عوامل الزحمة هو عبور موظفي المحطة وعمالها وعمال البناء الذين بدأوا بتشيد بعض الدور في صوب الشامية لتشييد السكن في هذه المنطقة وكذلك عبور موظفي الانواء الجوية وكذلك الذاهبون لزيارة (مرقد سيد خضير) وخاصة ايام الجمع ، وكذلك عبور الجنود المتوجهين الى وحداتهم العسكرية والثكنة العسكرية ، كل هؤلاء عانوا ولسنوات طويلة من مشاكل الجسر القديم وكلهم اصبحوا فرحين بعد افتتاح الجسر الجديد.

اما (كاظم جند يل) فقد أصابته الخيبة لافتراق الجسر الخشبي عنه بعد جلوسه عند مدخله منذ فترة طويلة وهو يفترش الأرض لبيع قناني النفط والبنزين التي امامه.

لقد خرج معظم سكان المدينة وبكل ابنائها لحضور هذه الحدث الكبير وقد كان طموحهم ان تدوس أقدامهم سطح هذا الهيكل الحديدي المتين وكأنهم كانوا يرجون اكتمال الجسر قبل مماتهم ، وقد كانوا في صعودهم الجسر من جهة المحكمة في أول الأمر وهم ينقلون خطوتهم بحذر وببطء ، لأنهم لم يعتادوا الصعود سيرا بين فترة وأخرى على رصيف الجسر الغرض الراحة من عناء الصعود ويستردوا انفاسهم للوصول الى الجهة الثانية من الجسر والنزول الى الضفة الثانية من النهر.

من كتاب الوقائع المنسية لمدينة الناصرية 

للمؤلف محمد رحيم حسين الجوراني 

ص 287 ص288