رحمك الله ايها الشيخ الجليل فقدنا عالما عاملا وفقيها وكاتبا وخطيبا بارعا ومجاهدا ويندر ان تجتمع هذه الصفات في شخص واحد تسعون عاما من العطاء والبذل والعمل والجهاد تربى على يديك أجيالا من الرساليين الصادقين في زمن يقتل الإنسان على الكلمة ويسجن على اقتناء كتاب لان كلماتك تخرج من قلب ملئ بالإيمان والتقوى فتدخل الى القلوب النظيفة ( الكلمة اذا خرجت من القلب دخلت إلى القلب واذا خرجت من اللسان لاتتجاوز الاذان ) كما قال الإمام علي ع يامن ربيتنا على الايمان وقول الحق والصلابة على الموقف فكانت كلماتك كالدرر تنثر على رؤوس محبيك ومريديك وكالشرر تقذف على وجوه المناففين المخطئين بحق الأمة،
لقد ربيتنا صغارا في صروح لازالت قائمة رغم مرور اكثر من سبعين عاما على انشائها وذلك لصدق النية وصفاء السريرة لوجه الله تعالى( جامع الشيخ عباس الكبير - مدرسة العلوم الدينية - مكتبة الامام الباقر العامة - جمعية التضامن الإسلامي الخيرية - مبرات تاهيل الايتام ) ، ورعيتنا كبارا نستمع اليك ونطيع وقد علا الشيب رؤوسنا لما لمسناه من آرائك السديدة ونظرتك الفاحصة للحياة. لم تنسى الامة ابدا وانت في احلك الظروف واصعب المواقف وقعت واقفا لاكثر من مرة في ساحة الوعظ والإرشاد والتنبيه ولسانك يلهج بذكر الله( حسبنا الله حسبنا الله ) وقعت وقلبك مع الامة ومشاعرك مع الفقراء لاتكل ولاتمل من قول ( وقفوهم انهم مسؤولون ) وبعدها تبث الامل ببسمة العالم العارف بالآية الكريمة( فاما الزبد فيذهب جفاء واما ماينفع الناس فيمكث في الأرض )
الحجة الراحل الناصري وجمعية التضامن الإسلامي
بعد صدور قانون الجمعيات في بداية العهد الجمهوري عام ١٩٦٠ استشعر الشيخ التاصري بضرورة وجود عمل مؤسساتي فقام مع جمع من اساتذة ووجهاء وشباب مدينة الناصرية بانشاء جمعية باسم جمعية التضامن الإسلامي وتمت المصادقة على نظامها الداخلي من قبل وزارة الشؤون الاجتماعية عام ١٩٦١ ولم يسبقه في هذا العمل في العراق الا جمعية منتدى النشر في النجف الاشرف وجمعية التوحيد في الكاظمية المقدسة وهي الاولى على مستوى الجنوب والخليج وكانت خطوة جريئة لنشر الوعي والثقافة والأدب والأخلاق وانتشال النشئ من الضياع والتيه في خضم الافكار المستوردة وكان للجمعية دور كبير في وضع اللبنات الأولى لعمل مؤسساتي خيري في العراق لاكثر من خمسة عقود مضت وصدرت عنها مجلة باسم التضامن وهي الاولى في المنطقة الجنوبية والخليج آنذاك واقامة الندوات والاحتفالات في جميع المناسبات وفتح الدورات الصيفية للناشئة ومساعدة الفقراء والمعوزين وكانت هذه الاعمال في تلك العهود تمثل تحديا للطغاة والمتجبرين وشوكة اعينهم وكانوا يكيلون للشيخ الناصري واعضاء الجمعية التهم ويتحينون الفرص ويختلقون الذرائع ويبثون السموم لعرقلة اعمالها والحد من نشاط اعضائها وتنفير مريديها حيث انخرط بالانتساب اليها اغلب ابناء الناصرية واقضيتها.
كان الشيخ الناصري يقارع الطغاة ويعري المنحرفين في وقت كانت الساحة خالية من الأحزاب والتجمعات العلنية المعارضة البعض يتهامس وصوت الشيخ الناصري( الغفاري ) عاليا والآخرون يسيرون محدودبي الظهر وقامة الشيخ( الاشترية ) لاتنحني فيما اغلق البعض ابوابه وبقي باب الشيخ الناصري وجمعيته مفتوحا على مصراعيه بتحد وثبات ينتقد اعمال الظلمة في كل مناسبة ويسمعهم صوت الحق ويعرقل مشاريعهم المظلله والهدامة حتى قال قائلهم( لايمكن ان نعمل مادام لسان شيخ محمد باقر طليقا ).
وبعد أن قويت شوكة الطغاة ضايقوا العلماء وكتفوا الادباء ولجموا السن الشعراء اضطر الحجة الراحل الى الهجرة مضطرا حينها انقضوا على الجمعية وغيبوها من الناحية الرسمية وحلت قسرا عام ١٩٨٠ فانتقل نشاطها الى بلاد المهجر. وفي الداخل بقيت شامخة في نفوس اعضائها وابناء المدينة بقي تاثيرها في النفوس ووقعها في القلوب منهجا يسير عليه المؤمنون واملا يعيش عليه المحرومون. وبعد أن جاءت ساعة الخلاص وسقط النظام المباد وانهزم الطغاة واختفت اذنابهم وفي خضم الاحداث الساخنة عاد الحجة الراحل الى مدينته الناصرية ونفض غبار السنين الحالكة وانار دروب الخير بقبس التضامن العريق ولبست حلة جديدة في الحداثة والعمل.
حسن علي السعيدي